السبت، 19 يونيو 2010

عقارب الساعة وأمواج البحر .. حكاية الحرية !

عقارب الساعة وأمواج البحر .. حكاية الحرية !

نسخة للطباعةSend to friend

نور الخضري ونازك أبو رحمة - الجزيرة توك - غزة
نور: تفاؤل غريب
لم أتردد للحظةٍ واحدة في الذهاب إلى المكتب الإعلامي الحكومي لإتمام إجراءات استخراج البطاقة الصحفية التي سيسمح لي من خلالها التغطية الإعلامية لأسطول الحرية. تمت الإجراءات سريعاً ، كنتُ أنظر لتلك البطاقة ككنزٍ ثمين أمتلكه. فكلما وضعتها في حقيبتي أعدتها مجدداً بين يدي لألقي عليها نظرةً أخرى ثم أعيدها . لم أتوقف عن التفكير والتخطيط للحظةٍ واحدة لذلك اليوم المشهود، كان اليقين يتملكني بأن الأسطول سيصل ، حقاً لم يساورني الشك للحظةٍ واحدة ، تفاؤل أثار استغراب من حولي ، لكني مضيت به وكلي شوق لتلك اللحظة التي ستلامس بها عيني أسطول الحرية .

الخوف الهارب
يوم الأحد نظمت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار فعالية للتضامن مع أسطول الحرية حيث انطلقت عشرات القوارب في عرض البحر كخطوةٍ مساندة لأسطول الحرية، توجهت إلى هناك، لا أدري كيف تغلبت على كل مشاعر الخوف من البحر التي تنتابني دائماً ، ولا أعلم إلى أين رحلت حينها ، انطلقنا وسط المياه، مشاعر رائعة.. كلما تلفت حولي وجدت الابتسامة تعلو محيا الجميع الذين كانوا قد أعدوا العدة للقاء أسطول الحرية .


الجميع كان هناك حكومةً ومؤسسات حقوقية ومدنية ولجانٍ شعبية ودولية ومتضامنين أجانب متواجدين في قطاع غزة كانوا قد دخلوا إليها عبر قوافل ورحلاتٍ بحريةٍ سابقة .
الجميع يتأهب للحظة الصفر .. عدنا أدراجنا من البحر .. طلبت منه قبل أن أغادر أن يوصل سلامي لمن يقلهم على بعد مئات الأميال منا لا أدري إن كان قد أوصل الرسالة أم أنها احتجزت عند المياه الإقليمية !!

وفي مساء يوم الأحد أنهيت كافة الاستعدادات وبقي علي مهمة واحدة هي إقناع زميلتي نازك أبو رحمة بأن تصاحبني غداً، حيث أخبرتني بأنها لن تذهب لانشغالها. اتصلت بها وأخبرتها أن هذا يوم لن يتكرر أبداً ولا يجدر بك أن تتخلفي عن الحضور، لم تناقشني كثيراً فحماستي الشديدة ألهبت حماستها فقررتْ أن تأتي معي لتغطية وصول أسطول الحرية إلى شواطئ قطاع غزة ، فأوصيتها بأن تخلد إلى النوم مبكراً حتى تستيقظ على الموعد الذي اتفقنا عليه.


نازك :
وأنا منهمكة على الأريكة أغوص داخل أركان قلمي وكلماتي، فجأة تدافع صوت بنبرة حادة من هاتفي النقال لتقول صديقتي نور لي :" نازك أتزالين مستيقظة حتى الآن ؟، هيا اذهبي للنوم ، فغداً صباحا علينا أن نذهب إلى ميناء غزة لاستقبال أسطول الحرية ،لذلك لا مكان للسهر داخل أجندتك اليوم "..
أجبتها وقتها بابتسامة هادئة :" نور لا عليك سأكون على الموعد إن شاء الله ".

بعد تلك المكالمة بساعة واحدة خلدت إلى النوم وقد حلق عقلي غير مبالياً بنصيحة نور داخل دوامة تفكير عميقة عما سأفعله غدا، من تغطية لفعاليات استقبال المتضامنين لأستيقظ فجأة على خبر هتكت فيه فرحة الفلسطينيين حيث تم الهجوم من قبل الاحتلال الإسرائيلي على الأسطول وهنالك عدد من الشهداء والجرحى.
دموع لم أستطع تجاهلها لأن من ذاق مرارة الوجع يستطيع أن يتصور حجم شعور المتضامنين في هذه اللحظة ، تمالكت نفسي وخرجت إلى بيت صديقتي نور كي ننطلق سويا إلى ميناء غزة لتفرس ملامح الفلسطينيين وكتابة وجعهم على أكف ذهولنا.



نور : الفاجعة
هي ذاتها الساعة التي دارت يوم الأحد، أعادت الدوران و بدأت عقاربها تشير إلى الخامسة فجراً من يوم الاثنين. عندما استيقظت شعرت بسعادةٍ كبيرة لأنه لم يعد يفصلني عن تلك اللحظة الرائعة سوى ساعات قليلة وأرى فيها أسطول الحرية يخرق الحصار. نرفع معاً أكفنا شكراً لله وتسجد جباهنا حمداً له، سأرى على متن الأسطول عرباً و مسلمين،سألتقي بالشيخ رائد صلاح، سأقابل أبا الشهداء الأربعة، سأقابل المتضامنين الأجانب من كل حدب وصوب، سألتقي بهم جميعاً سأرافقهم إلى كل مكان، سأتحدث إليهم، سأعطيهم بعض الهدايا التذكارية ..سـ.. ســ.. ..
كنت على مقربةٍ من أسبوعٍ جميل مليءٍ بالأمل والانتصار والحرية، لكن عقارب الساعة لا زالت مصرة على الدوران، فقطع جميل أحلامي صوت أمي تخبرني باستشهاد شخصين على متن القافلة ، طلبت منها أن تعيد علي الخبر ثانيةً ،وقلت لها عليك أن تتأكدي من مصدر الخبر لربما هي بعض الإشاعات. لم أصدق !! لكن قدماي ساقتني إلى حيث التلفاز وساقني التلفاز إلى حيث الحقيقة المرة التي هدمت أحلاماً جميلة رسمت ابتسامة على وجه كل فلسطيني في غزة .
الساعة تدور والأخبار تتوارد والشهداء في ازدياد، و الصدمة تكبر وتكبر والقهر يزداد ويزداد.


ثورة لا حداد

مشاعر متناقضة تنقلت بينها بسرعةٍ غريبة، جلستُ أمام شاشة التلفاز فلم أجد سوى دموعي تواسيني.. كدت أن أعلن الحداد لولا أني رأيت نازك قد كتبت على FaceBook اليوم للثورة لا للحداد، فكفكفت دمع الحداد وانطلقت بصحبة نازك وهدى شبير إلى حيث الميناء الذي تحول إلى سرداق عزاءٍ كبير. تبدلت الابتسامة.. وأصبحت الوجوه واجمة.. ذهاب وإياب.. هتاف وصراخ.. بكاء وألم قهر وغضب ..الجميع يتلفت حوله وكأنه ينتظر أحداً ما يخبرهم أن هذا مجرد حلم حالاً سنستيقظ منه على وقع دق طبول الكشافة فرحاً بوصول الأسطول. لكنني اكتشفت أنني لا زلت في ضلالي القديم ومضيت في الميناء مع زميلاتي نحاول أن نفعل شيئاً فحاورنا العديد من المتضامنين الأجانب والأشخاص الموجودين هناك.
كنت أشعر وكأنهم يغنون جميعاً مخاطبين البحر " يا بحر وين البحار تيقولك هيلا ويعد السبع بحار في يوم وليلة .. كان البحار غريب لما انكسر الشراع ".

فعلاً انكسر الشراع لكن الإرادة في قلوب الفلسطينيين لم تنكسر! تساؤلات كثيرة قرأتها على وجوههم دون أن يتكلموا. أسئلة مللنا من تكرارها لكنها ستبقى حاضرة إلى أن تلقى الإجابة بالفعل لا بالقول.
حتى متى يبقى دم العرب والمسلمين رخيصاً؟ حتى متى؟ لا أدري لكن كل ما أعلمه أن عقارب الساعة لا زالت تدور ولربما تأتي اللحظة التي تتوقف عندها عقارب الساعة فرحاً باعلان الحرية!

نازك: ميناء يرثي دماء أمواجه

البارحة كان الميناء مملوءاً بألوان ترسم البسمة ، أما اليوم فترى لون الرماد قد سيطر عليه ليسكنه صمت حركته الدموع على البوح، أطفال ورجال وحتى نساء تجمهرت مشاعر غضبهم قبل أقدامهم، حتى الكرسي المتحرك قد نطق من جماده وفي داخله أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة رفضوا أن تقعدهم إعاقتهم عن البوح بآلامهم عما حصل اليوم من فاجعة كانت خالية من أن تضبط داخل محضر القضبان ليسأل عن سبب ارتكابها !.
كل زاوية داخل الميناء ازدحمت بشفاه ارتجفت بكلمات تستنكر فيها ما حصل، فالخيمة التي كانت تنتظر من تحتفل بهم وتقدم له باقة الشكر والعرفان تحولت إلى أسى يصطف بشكل منظم ليعزي تلك الدماء التي سكبت من أجل إعلاء الحرية فقط، أوراق تناثرت وهي تنشج بفراق من لم تلاقيهم بعد، هو مجرد حلم شخص أراد أن يكسر الحصار على غزة فكان له نصيب في وأد مباح !

علم فلسطيني يميل على العلم التركي ليكون له جارا يواسيه بهزال وشحوب رفرف عبر الهواء المتثاقل بالجرح، شاطئ صاحبه اليتم ، رمال التهبت بلهفة الوصول، لتسد هتافات الألسنة التي تفجرت غضباً فتحات المسامات المنتظرة للفرج، فالجميع يصرخ على وتر واحد من كثرة الأصوات المشتعلة غضباً لا تفرق نوعها ولباسها، أعلام الأحزاب الفلسطينية التفت حول بعضها البعض لتتوحد، فما لم يقدر عليه زيّ المسئول بحلته البهية ، استطاعت فاجعة كهذه أن توحد ألسنتهم غضبا ..


وجوه انحرفت خطوطها حزنا ، وكأنها باتت تحاكي نفسها على وجع آخر دقّ على زبد البحر جاعلا من لونه أرجوانيا من نضح الدماء والصراخ فيه. ويبقى هنالك سؤال يلوح داخل عقول الفلسطينيين، إلى متى سيبقى العالم متفرجاً على تقسيط جرحهم وجثثهم هم ومن يتعاطفون معهم بالمجان، دون تحرك يعلن بجرأة خلع رداء الخوف أم أن الجزع والبطون المتخمة بطعام باذخ، تخشى على نفسها من أن تنام خفيفة الوزن يوماً !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق